علاج الإدمان من المخدرات

    علاج الإدمان من المخدرات

    إعداد الدكتور زياد الليمون- الأردن

     

    النظريات التي فسرت الإدمان

    أولا: نظرية التحليل النفسي Analytical Theory:

    تفسر مدرسة التحليل النفسي الإدمان بأنه (الغريب ،2006):

    • تعبير وظيفي لذات عليا ناقصة.
    • تعويض عن إشباع شديد نتج عن حرمان من إشباع بعض الحاجات الأساسية.
    • ناشئ عن تنشئة اجتماعية ناقصة أو خاطئة .
    • سلوك شخصي يشكل عصابا .
    • سلوك يعبر عن فقد المعايير الاجتماعية.
    • التعاطي للمخدرات مظهر من مظاهر الاضطراب والسلوك الشاذ (عبد المنعم، 1997).

    ثانيا: النظرية السلوكية Behavioral Theory:

    تربط المدرسة السلوكية بين المثير والاستجابة وإدمان المخدرات. وتفسير الإدمان لدى رواد هذه المدرسة لا يعدو كونه استجابة لمثيرات تم تدعيمها من خلال الممارسة حيث يرى بعض منظري المدرسة السلوكية أن إدمان المخدرات هو عبارة عن عادة شرطية ترتبط باستخدام العقار وأن التدعيم الإيجابي قادر على خلق عادة قوية هي عادة اشتهاء المخدر، وهناك عامل آخر أكثر قوة بالنسبة إلى المهدئات والأفيونات (مشتقات الأفيون). وهو خوف الفعلي من الامتناع عن العقار أو ما يتوقعه الفرد من آثار الامتناع بحيث إن الفرد إذا خبر الامتناع عدة مرات تكون لديه نمط من استجابة التجنب الشرطية، فإذا أضيف إلى ذلك ما يحدثه العقار أول الأمر من آثار التدعيم فإنه في الغالب تتكون لديه عادة الإدمان بوصفها نمطا سلوكيا دائما يستعصى على التغير في أكثر الأحيان (Garbrial & Nohas, 1981)

     ثالثا: النظرية التعلم الاجتماعي Social Learning Theory

    تؤكد هذه النظرية أن سلوكيات الإنسان متعلمة من الآخرين عن طريق المحاكاة والاختلاط، وتفسر هذه النظرية تعاطي المخدرات والإدمان عليها بأنه سلوك متعلم ناتج عن مخالطة المتعاطي للجماعة المرجعية (المتعاطين)، بحيث يستمر الفرد في التعاطي ليشعر بالانتماء إلى الجماعة، كما أن الجماعة تدعم هذا السلوك ، لتشعر بأن المتعاطي أحد أعضائها الذين تربطهم رابطة خاصة، وهي سلوك تعاطي المخدرات (الدخيل،2005، الغريب، 2006) .

     

    مفهوم الأسلوب الوقائي:

    هي مجموعة الإجراءات التي تستهدف منع تعاطي المخدرات أصلا، متمثله في كل أنواع التوعية وإجراءات مكافحة العرض، فهي يقصد بها الإسهام في حماية الإنسان من الوقوع في آفة المخدرات، ويتمثل هذا المفهوم مرحلة التأسيس للمتعلم للوعي بمفهوم المخدرات والابتعاد عنها.

    فالوقاية هي ألا ننتظر حتى يقع الشباب في إدمان المخدرات ، وإنما البدء في اتخاذ التدابير اللازمة، والإجراءات الممكنة لحماية الشباب من الوقوع فريسة تحت طائلة المخدرات، وذلك بتحسين قدرة الفرد على مواجهة مشاكله بصورة بناءة، ومواجهة العوامل الاجتماعية غير المواتية والتي يمكن أن تؤدي إلى إساءة استعمال المخدرات.

    وهناك ثلاث مستويات لإجراءات الوقاية وهي:

    الوقاية الأولية: ويقصد بها مجموع الإجراءات التي تستهدف منع وقوع التعاطي أصلا، ويدخل في هذا الباب جميع أنواع التوعية التي تنحو هذا المنحى، وكذلك مجموع الإجراءات التي تتخذ على مستوى الدولة سواء أكانت إجراءات أمنية أو تشريعية ما دام الهدف الأخير منها هو منع توفر المخدر، ومن ثم منع وقوع التعاطي.

    الوقاية من الدرجة الثانية: ويقصد بها التدخل العلاجي المبكر، بحيث يمكن وقف التمادي في التعاطي لكي يصل بالشخص إلى مرحلة الإدمان. وكل ما يترتب على الإدمان من مضاعفات. أي أن هذا المستوى من الإجراءات الوقائية يقوم على أساس اعتراف الشخص بأنه أقدم فعلا على التعاطي، ولكنه لا يزال في مراحله الأولى، ومن ثم نحاول إيقافه عن الاستمرار فيه.

    الوقاية من الدرجة الثالثة: ويقصد بها وقاية المدمن من مزيد التدهور الطبي أو الطبي النفسي والسلوكي للحالة. وينطوي هذا المفهوم على الاعتراف بأن الأخصائي الإكلينيكي يلتقي أحيانا بحالات لا تستطيع أن تكف عن التعاطي، وإذا توقفت لفترات محددة، فهي لا تلبث أن تنتكس بالعودة إلى التعاطي مرة أخرى .

    فيكون مفهوم الوقاية في مثل هذه الحالة مساعدة المدمن على الانقطاع من حين إلى آخر عن التعاطي ، ويعتبر ذلك هدفا لا بأس به لأنه من شأنه أن يقلل إلى حد ما من احتمالات التدهور الصحي المتوقعة لو أنه استمر دون أي توقف(Arif & Wester – meyer, 1988)

    علاج الإدمان

    (العملية الإرشادية والعلاجية)

    تتضمن الخدمات الإرشادية المقدمة للمدمنين برامج علاجية وإرشادية متكاملة بما تحويه من أساليب وفنيات وتقنيات، لأجل تقديم الرعاية والعناية لهذه الفئة، والتي من شأنها أن تساهم في مساعدتهم على التعافي والتقدم في جميع جوانب الحياة وهي مقسمه  كالأتي:

    أولا: الكشف المبكر.Early Detection
    ثانيا: علاج أعراض الانسحاب.Detoxification
    ثالثا: فترة التأهيل.Rehabilitation
    رابعا: مرحلة المتابعة.Follow up
    خامسا: أسباب تؤدي إلى الانتكاسة.
    سادسا: الأساليب والتقنيات الإرشادية والعلاجية.
    أولا: تعد مرحلة الاكتشاف المبكر

    من أهم المراحل، فكلما تم الاكتشاف المبكر للإدمان كان أسهل لعملية الشفاء، وهناك مؤشرات تساعدنا على اكتشاف الحالة مبكرًا Early Detection، ومن هذه المؤشرات ما يلي:

    1- زيادة الانفعالات العصبية والعدوانية، أي ان أي خلاف بسيط يستثيره ويكشف العدوانية التي بداخله تجاه الأسرة والمجتمع.

    2- ميل الشخص إلى الانعزالية والانطوائية والانسحاب من الجو الأسري الذي كان مندمجًا فيه من قبل، والبعد عن المناسبات الأسرية.

    3- إهمال المظهر العام، فلا يهتم المدمن أبدًا بأناقته في الملبس ولا بمظهره أمام الآخرين.

    4- لا يهتم المدمن بطعامه، فينقص وزنه، ويتعرض للتدهور الصحي والعقلي والعملي، ويفقد الشهية ويصاب بالهزال.

    6- اختلال نظام النوم واليقظة، فبعد أن كان يعيش حياته طبيعيًا يقضي يومه في العمل وليله في الراحة، فإن الفرد بعد الإدمان تنقلب حياته رأسًا على عقب.

    7- العثور على بقايا مواد مخدرة مثل زجاجات الخمر أو العقاقير الفارغة (Rice, 2001).

    ثانيا: علاج أعراض الانسحاب Detoxification

    أعراض الانسحاب تختلف باختلاف نوع المادة المستخدمة، وأعراض الانسحاب تشمل الأرق، التقيؤ، التعرق، مشكلات في النوم، الهلوسة، التشنجات، آلام في العظام والعضلات.

    وعلاج هذه الأعراض يتم بإزالة المادة من جسم المدمن، ويتم ذلك في المراكز والمستشفيات المعتمدة التي يوجد بها أقسام للإدمان وتكون تحت إشراف فريق طبي متخصص .

    هدف علاج أعراض الانسحاب (إزالة السموم) هو وقف تناول المادة بسرعة وأمان، ويشمل ذلك:

    1- خفض جرعة المخدرات تدريجيًّا.

    2- استبداله بمواد أخرى مؤقتا يكون له آثار جانبية أقل حدة ، مثل الميثادون أو البوبرينورفين.

    3- بالنسبة لبعض الناس قد يكون آمنًا الخضوع لعلاج الانسحاب في العيادات الخارجية، والبعض الآخر قد يتطلب الدخول الى المستشفى.

    4- تقييم المدمن صحيًّا.

    ينبغي لبرامج العلاج تقييم المدمنين بفحصهم لوجود فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) أو التهاب الكبد الوبائي أو مرض السل أو الأمراض المعدية الأخرى (العساف والصرايرة، 2011).

    ثالثا: فترة التأهيل Rehabilitation

    الإدمان مشكلة صعبة لأنها متفرعة ومتشعبة، فالشق الطبي ليس هو الشق الوحيد للمشكلة، فالذين يتم علاجهم طبيًا فحسب تبلغ نسبة الانتكاسة لديهم 80% ولكن هناك أمور أخرى يجب الالتفات إليها خلال فترة التأهيل مثل الشق النفسي، والشق الاجتماعي، والشق الأسرى التربوي، والشق القانوني، والتقصير في علاج أحد هذه الفروع يقود إلى الانتكاسة .

    1- يمر المدمن بعدة مراحل نفسية خلال فترة التأهيل وهي:

    أ‌- مرحلة التقرير: وتبدأ باللحظة التي يقرّر فيها المدمن أنه محتاج للمساعدة والعلاج للخروج من المشاكل التي تواجهه، وقد تأتي هذه المرحلة بمساعدة الآخرين من اجل العودة للحياة الطبيعية.

    ب – مرحلة الاستقلال عن المواد المخدرة: حيث يعيش الإنسان حرًا، ويستمر في حياته بدون حاجة إلى المخدر.

    ج – مرحلة الانتكاسة: التي قد يتعرض لها المدمن في لحظات الضعف، وهي ليست نهاية المطاف إنما هي مرحلة من مراحل العلاج، فيجتازها الإنسان ويستكمل مشوار العلاج.

    2- تبدأ فترة التأهيل بعد انتهاء مرحلة علاج أعراض الانسحاب، وتستمر فترة التأهيل عدة أشهر وقد تصل إلى عدة سنوات، وهي بمثابة ولادة جديدة لينزل الإنسان إلى الحياة بعقل جديد وفكر جديد، ويشمل التأهيل تأهيل أسرة المدمن.

    3- خلال فترة التأهيل قد يحتاج الإنسان إلى تغيير البيئة التي يعيش فيها، والأصدقاء الذين اعتاد عليهم، ولا سيما أصدقاء الإدمان (يعقوب، 2005).

    رابعا: مرحلة المتابعة: Follow up

    وخلال هذه المرحلة يجب مراعاة الأمور الآتية:

    1- تبدأ مرحلة المتابعة بعد انتهاء فترة التأهيل، وتستمر هذه المتابعة لعدة سنوات حيث تتم المتابعة من الفريق المعالج على فترات متباعدة .

    2- إن المجموعة التي تلقت العلاج التأهيلي معًا، وصارت تعيش حياتها الطبيعية بدون مخدر، فإنها تبقى على اتصال مستمر حيث تكوّن مجموعة المساندة الذاتية، وهي أقوى سند على الاستمرار في النجاح.

    3- خلال فترة المتابعة إذا تعرض الإنسان للانتكاسة على الأسرة أن تسرع به إلى مركز العلاج الذي يتابعه، وإذا رفض تقوم الأسرة بإبلاغ الفريق الذي عالجه وتابعه، وأيضًا إبلاغ أصدقاؤه الجدد (الشمري، 2003).

    خامسا: أسباب تؤدي إلى الانتكاسة:

    في بداية علاج الإدمان “عملية التخلي عن المخدر او الكحول والامتناع” قد يكون من الصعب على المدمن أن يتعرف بنفسه على المواقف التي تشكل خطرا عليه، ولذلك فنحن نسوق إليه  قائمة ببعض المفاتيح  التي يمكن أن تعترض المدمن في مطلع تخليه عن المخدر او الكحول واستغنائه عنه.

    1 – الأصدقاء القدامى: فاللقاء مع الأصدقاء يُذكّر المريض بالنشوة التي كان يتمتع بها، وهذا يشعل في جسد المريض اللهفة التي افتقدها بتخليه عن الإدمان.

    2-  معاملة الأسرة: إذا شعر الإنسان الذي تماثل للشفاء بنقص المحبة الأسرية، او ينظرون إليه بدونية قد يؤدي لانتكاسه. ومن هنا يأتي  دور تأهيل أسرته وتوعيتها.

    3 – عدم الاستقرار: بعد أن يعالج المريض ويتماثل للشفاء ويعود إلى ظروف مضطربة في مجال العمل، فانه قد يعود للهروب من الواقع الغير مريح الذي يعيشه ويلجأ إلى المخدرات ثانية.

    4- نظرة المجتمع: قد يعود الإنسان للإدمان ويُصاب بالانتكاسة إذ لاحظ أن المجتمع يفقد الثقة فيه،  وفي علاجه من الإدمان.

    5 – إهمال الجانب الروحي.

    6- الحصول على مبلغ كبير بصورة مفاجئة قد يدفعه للشوق للمخدرات او الكحوليات .

    إن تعرض المدمن لمثل هذه الأشكال والصور والمواقف تجعل معركة قوة الإرادة مع الحنين للماضي غاية في الصعوبة، وتبدأ النفس في ترديد فكرتها نحو التجربة (غانم، 2011).

    سادسا : الأساليب والتقنيات الإرشادية والعلاجية كما وردت عند ( الجزازي، 2011).
    أولا العلاج الطبي:

    في العلاج الطبي تستخدم بعض الأدوية المضادة للمواد المخدرة وتحدث تأثيرا عكسيا، حيث يشعر المتعاطي عند أخذه إياها بالغثيان والقيء(Nausea & Vomiting) فيأخذه قبل نصف ساعة من التعاطي، ومن الأمثلة على ذلك استخدم عقار الميثادون، البوبرينورفين، وعقاقير أخرى لكي تكون مضادة لعمل الهروين والمورفين والأفيون، ويستخدم أيضا مادة الكلوميتازول لعلاج حالات الكحول.

    ثانيا العلاج السلوكي:                                                                  

    1- العلاج بالتنفير Aversion Therapy يعتمد على مبدأ الاشراط ويندرج تحته ما يلي:

    – التنفير الكيمائي: الاقتران بين مثير حسي مرغوب في المادة التي يتعاطاها الشخص مع مثير حسي ولكنه غير مرغوب (منفر) تسبب الغثيان .

    – التدريب على الاسترخاء:

    لقد أظهرت العديد من الدراسات أن الاسترخاء يساعد في تحسين تقدير الذات والصحة النفسية على المدى الطويل، لذا فإن الاسترخاء الذهني و الجسدي العضلي له تأثير على المعالجة من الإدمان، هذا لان الكثير من الدراسات أشارت أن للمدمن تقدير ذات متدني، ولديه سوء تكيف مع المحيط به.

    – تغيير المعتقدات من خلال: – الوعي – التفسير- دحض الأفكار اللاعقلانية- التعامل مع المشكلة .

    ثالثا: العلاج بالنظرية الوجودية.

    البحث عن المعنى: حيث أن المدمن يفتقد للمعنى في حياته، ولا يوجد هدف يسعى للوصول إليه، وهنا يأتي دور المرشد النفسي بمساعدة المدمن على ايجاد معنى لحياته وقيمة، وهدف واضح يسعى المدمن لتحقيقه، فكلما كان المعنى والهدف قويا ضعفت احتمالية رجوع المدمن للمادة المخدرة

    رابعا: العلاج حسب نظرية الجشطلت :

    يرى الجشطلت بأن علاج المشاكل ومنها الإدمان يكمن بالتعرف على الأسباب، فالفرد يلجأ إلى الإدمان لأنه غير قادر على تحمل المسؤولية ومواجهة نفسه. لذلك على المرشد مساعدة المسترشد لتحمل المسؤولية، وتعليمه عبارة لا أريد أن اتعاطى مرة أخرى . ؟؟؟؟؟

     

    المراجع:

    الجزازي، جلال (2011 ). إدمان المخدرات والكحوليات وأساليب العلاج. دار وائل للنشر: عمان.

    الدخيل، عبد العزيز (2005). إدمان الكحول ، المشكلات والحلول، الرياض: مؤسسة الملك خالد الخيرية .

    الشمري، عايد (2003). الآثار الاجتماعية لتعاطي المخدرات وسبل العلاج والوقاية (الطبعة الأولى). منشاة المعارف: الإسكندرية.

    الصرايرة، إسماعيل وعساف عبد المعطي (2011 ). إدمان المخدرات والكحوليات وأساليب العلاج.

    غانم، محمد (2011) الإدمان : نظرة متكاملة (الطبعة الأولى). دار القلم: الكويت.

    الغريب، عبد العزيز (2006). العودة إلى ظاهرة الإدمان في المجتمع العربي. جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية: الرياض.

    يعقوب، حلمي (2005). كتاب الإدمان: الوقاية والعلاج. دار القلم للنشر: الكويت.

    المراجع الأجنبية :

    – Arif, A. & Westermeyer, J. (1988). MANUAL OF Drug And AL-Cohol Abuse:Guidelines For Teaching In Medical And Health Institutions . New York: Plenum Medical Book Company.

    -Gabriel G. And Nohas, H. (1981). Drug Abuse In Modern World, New York Pergomon Press.

    -Rice, F. (2001). Human Development: A life-span approach, Macmillan publishing company.